وسواس القصاص

الفصل الثالث: الزائر المجهول

كانت يد ليلى المرتعشة تحوم فوق هاتفها، وعيناها مثبتتان على الشاشة المليئة برسائل الكراهية. لقد أثرت العاصفة الافتراضية التي لا هوادة فيها، وألقت بظلالها على شقتها، حيث بقي صدى النقد اللاذع على الإنترنت مثل لحن مؤرق.

وبينما كانت مترددة في الإبحار عبر بحر الاتهامات، هزت الطرق المفاجئة والمدوية بابها ليلى من أحلام اليقظة الكئيبة. تسارعت نبضات قلبها، والقلق يسري في عروقها. في تلك اللحظة المعلقة، سيطر عليها الخوف، وظهر في ذهنها احتمال مشؤوم حول من قد يكون على الجانب الآخر.

كان صدى كل طرقة يشبه قرع طبول نذير شؤم، مما أدى إلى تضخيم حالة عدم اليقين التي تحيط بها. هل يمكن أن تكون الشرطة هي التي تتحمل ثقل التحقيق القانوني؟ أو الأسوأ من ذلك، هل اجتذبت الحملة القاسية التي نظمها أمير عواقب حقيقية من أولئك الذين صدقوا أن السرد موجه ضدها؟

ابتلعت ليلى بصعوبة ريقها، واتجهت نحو الباب، وقد ارتفعت حواسها وتوترت. ومضت أضواء المدينة خلف النافذة مثل النجوم البعيدة، ولم تقدم سوى القليل من العزاء في مواجهة المجهول الوشيك. وما زالت جوقة الإدانة تتردد في أذنيها، تمتزج مع أصوات المدينة المكتومة التي بدت وكأنها تحبس أنفاسها.

بخوف حذر، اختلست ليلى نظرة خاطفة عبر ثقب الباب، وإذا بها تلتقط أنفاسها عندما ترى وجهًا مألوفًا. لقد كان كريم، صديقها الذي كان يشعر بالقلق إزاء صمتها. غمرتها الراحة للحظات، وحلت محلها موجة جديدة من القلق. ما مدى معرفته بالاتهامات التي تدور على الإنترنت؟

فتحت ليلى الباب، وواجهت كريم، وكان تعبيره مزيجًا من القلق والتعاطف. “ليلى، كنت أحاول الوصول إليك. كنت قلقًا”، أوضح غافلاً عن العاصفة التي اندلعت في عالم ليلى الرقمي.

ارتسمت ابتسامة مهزوزة على شفتي ليلى عندما دعته إلى الدخول. وخف ثقل العالم الخارجي، بأحكامه وحملاته المنسقة، للحظات عندما سمحت لأحد المقربين بالدخول إلى ملاذها. 

تحطمت واجهة ليلى الهادئة في اللحظة التي دخل فيها كريم إلى شقتها. لم تستطع احتواء سيل الدموع الذي حبسته لفترة طويلة. عضت شفتها المرتعشة، وابتعدت، على أمل إخفاء الضعف الذي ظهر في عينيها.

لكن كريم، الذي كان منسجمًا مع الصرخات الصامتة لروحها مضطربة، أحس بضيقها. ومن دون أن ينبس ببنت شفة، عندما شهد كريم تدفق الدموع من عيني ليلى، كان رد فعله غريزيًا – فسحبها إلى حضن مريح. في تلك اللحظة الضعيفة، ليلى، التي غمرها ثقل الحكم، غرقت في حضنه وكتفيها يرتجفان من النحيب المكبوت.

بميل لطيف، ضغط ظهره على باب الشقة، مغلقًا الباب أمام العالم الخارجي، كما لو كان يخلق درعًا ضد عاصفة الحكم التي اندلعت في الخارج.

وفي وهج أضواء المدينة الهادئ، اتخذا وضعية الجلوس، وما زالا متمسكين بعناق شديد. ليلى، التي لا تزال في قبضة عواطفها، وجدت نفسها مدعومة بالباب القوي خلفها وحضور كريم الذي لا يتزعزع بجانبها.

وبينما كان الباب المعدني يغلق العالم في الخارج، أحاطها بشرنقة من الطمأنينة. “أنت لست وحدك في هذا. سنواجه الأمر معًا”، أكد، وتردد نذره الهامس في المساحة الحميمة بينهما.

عندما استقروا في هذه المساحة المشتركة، التقت نظرة ليلى الدامعة بعيني كريم الثابتتين. وبصوت مرتعش ولكن حازم، نطقت بالكلمات التي ظلت عالقة في الهواء: “كريم، لم أرتكب أي خطأ. هل تصدقني؟” كان السؤال، المثقل بثقل اضطرابها، معلقًا بينهما، باحثة عن تأكيد في وسط عدم اليقين.

وحافظ كريم على احتضانه، و طمأنها بصمت. ظل ظهره مستندًا إلى الباب، كحاجز وقائي، وهو يومئ برأسه مقتنعًا. “ليلى، بالطبع، أنا أصدقك. كل ما يقولونه هناك لا يحدد هويتك.” وكانت كلماته، المصحوبة بدفء المساحة المشتركة بينهما، بمثابة شهادة على دعمه الثابت.

ركع كريم بجانبها، وكان حضوره مريحًا وسط الفوضى. كانت لمسته رقيقة وهو يمسح الدموع المتدفقة على خدي ليلى. همس، بصوته بلسم مهدئ ضد أصداء الإدانة القاسية: ـ لا بأس يا ليلى. ليس عليك أن تواجهي هذا وحدك.

عندما نظرت إلى عيني كريم، ارتجف صوت ليلى بمزيج من اليأس والتحدي. “كريم، أقسم أنني لم أرتكب جريمة في حق أي شخص. لا أعرف ماذا يقولون، لكن هذا ليس صحيحا”. 

أسكتها كريم بلطف، بحضنه الذي لا يتزعزع، ورسمت أصابعه دوائر مريحة على ظهرها.

في تلك الزاوية الصغيرة من شقة ليلى، حيث كانت أضواء المدينة تومض كشهود صامتين، تعمقت العلاقة. إن انزلاقهم من الوقوف إلى الجلوس يعكس النزول إلى مساحة يلتقي فيها الضعف مع القوة. كان الباب المغلق، الذي يمثل حدودًا مادية ورمزية، يحمل في داخله وعدًا بالتضامن والاعتقاد بأن براءة ليلى ستنتصر.

في ذلك العناق الحميم، بينما كان كريم يحتضن ليلى في دفء ذراعيه، لم يستطع إلا أن يتعجب من الجمال الرقيق الذي أمامه. كان شعرها الأسود الناعم القصير يؤطر وجهها، وكان منحنى جسدها اللطيف يضغط عليه مما خلق إحساسًا يتردد صداه في كل نبضة من قلبه. وبخ نفسه داخليا، وحث على الحفاظ على السيطرة، مذكرا أن الآن ليس الوقت المناسب لمثل هذه الأفكار.

لكن، بينما كانت ليلى تجلس أمامه، وتشعر بارتفاع صدره وهبوطه الإيقاعي، تسارعت نبضات قلب كريم. كان القرب غامرًا، وطلب من نفسه بصمت أن يكبح جماح عواطفه. ألقت أضواء المدينة وهجًا خافتًا، لتخفي احمرار الخدود الذي تسلل إلى خديه.

من جهتها، أحست ليلى بالتحوّل الطفيف في سلوك كريم. كان دفئه يشع من خلال صدره، ومع تعمق أنفاسه، شعرت بالارتفاع اللطيف والهبوط تحت وجهها المضغوط. يديه، الآن على خصرها، اقتربت منها أكثر، وبدا أن القرب بينهما يغير الهواء الذي يتقاسمانه.

وعندما نظرت ليلى إلى أعلى، والتقت بعيني كريم، أحست بآثار الخجل في نظرته. كان وجهه المحمر يتحدث كثيرًا، ولم يكن بوسعها إلا أن تستمتع بالتحول غير المتوقع للأحداث. في تلك اللحظة من الضعف، قرص كريم خدها بشكل هزلي، وكسر التوتر بملاحظة مثيرة: “لقد أخفتني كثيرًا”.

كانت إجابة ليلى بمثابة ضغطة خفيفة على صدره، مصحوبة بضحكة مشتركة تردد صداها في المساحة الحميمية الصغيرة. الضحك، الذي كان بمثابة تحرر من التوتر الذي طال أمده منذ لحظات، ملأ الغرفة بإحساس مشترك بالتفاهم. في تلك الضحكة، وجدت ليلى وكريم رابطًا يتجاوز التحديات والشكوك التي تحيط بهما، وهو تذكير بأنه حتى في خضم الاضطرابات، يمكن أن تزدهر لحظات الفرح المشتركة بشكل غير متوقع.

وبعد أن هدأت الضحكة ساد شعور بالطمأنينة بين كريم وليلى. قرر كريم، بابتسامة لطيفة، أن يتولى زمام الأمور في هذه اللحظة. “سوف أطبخ لنا شيئًا دافئًا”، اقترح ذلك، وهو يخلع نفسه من العناق ويتجه إلى المطبخ.

في المطبخ، لم تكن حركات كريم أقل من رشيقة. ألقت أضواء المدينة الوامضة وهجًا ناعمًا على ملامحه أثناء تنقله في عالم الطهي. كان تركيزه عبارة عن سيمفونية من الأناقة المركزة، حيث قام مايسترو الطهي بتنسيق إبداع يهدف إلى توفير الراحة.

كانت رائحة الدفء والتوابل تفوح في أنحاء الشقة بينما كان كريم يعد بمهارة طبقًا يعد بالعزاء. تحركت صورته الظلية الرائعة بفخامة طبيعية، وتنزلق يداه بسهولة على المكونات، مما يحول المطبخ إلى مسرح يتكشف فيه سحر الطهي.

وعندما انتهى من الطهي، اشتدت الرائحة، ودعت ليلى إلى عالم من البهجة الحسية. أمسك كريم بالطبق الدافئ واتجه نحو غرفة المعيشة، مستعدًا لمشاركة الراحة التي صنعها. ومع ذلك، استقبله مشهد رقيق: ليلى، نائمة بسلام على الأريكة.

ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتي كريم وهو يقترب منها بصمت. وضع الطبق على طاولة القهوة واختفى لفترة وجيزة، ثم عاد ببطانية ناعمة. قام بتغطية ليلى بلطف، ليتأكد من أنها ستكون دافئة ومرتاحة. طبع القلق ملامحه عندما لمس جبهتها بخفة، ليتحقق من وجود أي علامة على الحمى.

بعد أن شعر كريم بالرضا لأنها كانت تستريح بسلام، جلس بجانبها. رسمت أضواء المدينة خلفية هادئة، ونظر إلى ليلى بإعجاب هادئ. في الهدوء، كان يقدّر التفاصيل الدقيقة لنومها، والضعف الذي يكشف عن نفسه في لحظات الراحة الهادئة.

وبعد فترة من الوقت، ألقى كريم نظرة أخيرة على ليلى النائمة بسلام، ونهض بهدوء وخرج، تاركًا إياها لصفاء أحلامها. يبدو أن همهمة المدينة الناعمة في الخارج تعكس نغمات المساء المتناغمة – حكاية منسوجة بالضحك والدفء ولمسة من فن الطهي.

وفي وسط العناق بين ليلى وكريم أمام باب شقتها المغلق، دون علمهما، ظل أمير في الخارج. توقفت نيته في مواجهة ليلى بالاتهامات عندما سمع الحديث الحميم بينهما. ورسمت الهمسات الناعمة والضحكات المشتركة صورة للحظة كانت بعيدة كل البعد عن المواجهة التي توقعها.

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفاه أمير وهو يستوعب المشهد. لم يستطع إلا أن يضحك بهدوء على نفسه، وقد تم استبدال غضبه الأولي للحظات بتسلية ساخرة. “من المؤكد أن لديك مزاجًا للرومانسية وأنت مجرمة،” قال متأملًا تحت أنفاسه، وكانت الكلمات تحمل مزيجًا من السخرية وعدم التصديق.

اختار أمير عدم مقاطعة لحظة الحنان غير المتوقعة، وتراجع إلى أسفل الدرج. بدا النزول وكأنه صدى للباب المغلق والضحكة الخافتة القادمة من شقة ليلى. صعد إلى سيارته وأوقفها في مكان قريب، وركز نظره على المدخل، منتظرًا أي رجل سيخرج من شقة ليلى.

أمير، المختبئ في الظل، يراقب بعين ساهرة، فضولي بشأن الديناميكيات التي تتكشف خلف الباب المغلق. لم يكن يعلم أن العناق بين ليلى وكريم، المشوب بالضحك والدفء، لم يكن مجرد لحظة عابرة، بل كان اتصالاً يتعمق في مواجهة التحديات التي تنتظره.

عندما خرج كريم إلى الشارع الهادئ من مبنى ليلى السكني، لم يكن على علم بوجود أمير الوشيك في سيارته الفاخرة. ألقت أضواء المدينة ظلالاً وامضة على الرصيف، وكان الهواء يحمل توترًا لم يستطع كريم إدراكه تمامًا.

أمير، وهو يراقب من سيارته الفخمة، رأى كريم يخرج من المبنى. ارتسمت ابتسامة متكلفة على شفتيه وهو يتمتم لنفسه: “هل هذا هو نوعك المفضل من الرجال، هاه؟ إذن هذا هو شريكك في الجريمة؟” كانت لهجته مليئة بالازدراء، تغذيها مرارة افتراضاته.

وبتسارع مفاجئ، توجه أمير بسيارته نحو كريم، مما تسبب في لحظة من الذعر لأي شخص يشهد ذلك. اقتربت السيارة بشكل خطير من كريم، الذي كان عليه التحرك بسرعة لتجنب الاصطدام. وتصاعد التوتر عندما قام أمير، المستمتع بالمواجهة، بسحب نافذته فجأة وخفضها ببطء متعمد.

متكئًا على مقعد الراكب، ركز أمير على كريم بنظرة تقشعر لها الأبدان. “هكذا ستحميها؟ فكر مرة أخرى أيها الوغد!” كان صوته يحمل نبرة تهديد، ولم تؤدي الابتسامة المتكلفة على وجهه إلا إلى تعميق الجو المشؤوم.

وقبل أن يتمكن كريم من الرد، سارع أمير إلى الابتعاد، تاركًا وراءه شعورًا بالهلع في أعقاب رحيله. بقي اللقاء المخيف في الجوار، وهو تذكير صارخ بأن التحديات التي واجهتها ليلى لم تقتصر على العالم الافتراضي، بل امتدت إلى الشوارع الملموسة الغادرة حيث تخفي الظلال التهديدات والأسرار.

بينما استمر كريم في السير في الشارع الهادئ، ارتسمت عليه ابتسامة هادئة، ويبدو أنه لم يثنه اللقاء الوثيق مع سلوك أمير المهدد. أخرج هاتفه وبدأ في كتابة رسالة، وكانت أصابعه تتحرك بشكل متعمد. كان سلوكه الهادئ يشير إلى قوة داخلية أبت أن تهتز بمحاولات أمير للتخويف.

في تلك الأثناء، كان أمير، في سيارته الفاخرة، يحاول السيطرة على موجة الاشمئزاز التي كانت تسري داخله. مجرد التفكير في ليلى وكريم معًا أثار ردة فعل عميقة، واحمر وجهه من الغضب الشديد المتصاعد. أصبحت أضواء المدينة غير واضحة حيث أصبحت رؤيته غائمة بإحساس ساحق بالنفور.

وبسبب عدم قدرته على احتواء الاضطراب في الداخل، انحرف أمير بالسيارة إلى جانب طريق سريع مزدحم، وكانت حركة المرور مزدحمة من حوله. قبضت يداه على عجلة القيادة بقوة وهو يتمتم لنفسه، والكلمات مليئة بالسم. “عليها أن تدفع ثمن خطاياها،” قال غاضبًا، والهواء داخل السيارة مثقل بازدراءه.

وبعد لحظة من الاضطراب الداخلي، استدار أمير بالسيارة فجأة، واحمرت عيناه، وجف حلقه من شدة انفعالاته. عاد المحرك إلى الحياة وهو يسرع عائداً نحو شقة ليلى بأقصى سرعة. كانت أضواء الطريق السريع تمر من أمامه، وكانت بمثابة تمثيل مرئي للأفكار المضطربة التي تدور في ذهنه.

عندما اقترب أمير من شقة ليلى بتصميم يغذيه إحساسه المشوه بالعدالة، تصلب وجهه، وتوهجت عيناه بحماسة مقلقة. كانت المواجهة الوشيكة، الممزوجة بمزيج سام من الغضب والاستياء، تنذر بتصعيد في شبكة المشاعر المتشابكة المحيطة بليلى وكريم وأمير.

الفصل الرابع : مواجهة ظلاله

في أعقاب رحلته المضطربة، وصل أمير إلى مبنى ليلى السكني بلهفة واضحة. توقفت السيارة الفاخرة الأنيقة بشكل صارخ، وقفز منها بطاقة حازمة، وكانت كل حركة يقوم بها تعكس مزيجًا متقلبًا من الإحباط والإلحاح.

بخطوات قوية، انطلق أمير نحو المدخل، وكانت ساقاه العضليتان تدفعانه إلى أعلى الدرج بقوة يتردد صداها في كل ضربة من خطواته. كانت عروق جسده تنبض بالأدرينالين، وكان تنفسه ثقيلًا ومسموعًا، وهو مظهر من مظاهر العاصفة المشتعلة بداخله.

وعلى الرغم من حالة الجنون الفوضوية التي دفعته إلى باب ليلى، طرق أمير بهدوء باب ليلى، في لحظة من ضبط النفس المفاجئة. كان صدى مفاصله على المعدن يتناقض بشكل صارخ مع الطاقة المضطربة التي كانت تشع منه.

في الداخل، استيقظت ليلى من نومها، وانسجمت حواسها مع الطرق الناعم والرائحة المثيرة التي كانت تفوح في الهواء. وصلت رائحة الطعام اللذيذة، وهي تذكير دائم بحضور كريم المريح، إلى رشدها، مما خلق مزيجًا غريبًا من الارتباك والترقب.

عندما فتحت ليلى عينيها، استمر الطرق الناعم. كانت الغرفة مغمورة بتوهج لطيف، وأضواء المدينة في الخارج تضفي هالة من الهدوء. أثار إدراك الساعة المتأخرة والزائر غير المتوقع فضولها. بنظرة نعسانة ولكن منتبهة، شقت ليلى طريقها إلى الباب.

عندما فتحته، رأت أميرًا، وكان تنفسه لا يزال يتعافى من الصعود القوي. كانت ملامحه، على الرغم من توترها، تحمل غرابة لا يمكن تجاهلها. كان الهواء بينهما يتشقق بسبب التوتر الذي لم يتم حله في موعدهما، بينما كانت رائحة الطعام اللذيذ لا تزال قائمة، وكانت بمثابة مفارقة في مواجهة العاصفة المختمرة.

قبل أن تفتح ليلى الباب كانت تتوقع أن تجد كريم على الجانب الآخر، اتسعت عيناها مفاجأة عندما رأت أمير. وظهر الارتباك على وجهها، ونادت كريم بشكل غريزي، لكن الشقة ظلت صامتة. لا ملاحظة، لا علامة له.

ارتسمت على ملامح ليلى تعبيرات حيرة وهي تتفحص الغرفة بحثًا عن أي إشارة إلى مكان وجود كريم. كان هاتفها موضوعًا على الطاولة دون أن يلمسه أحد، دون أن يلاحظه أحد في اندفاع تلك اللحظة. استمر الطرق الناعم، وكان قلب ليلى يحمل ثقلًا غريبًا.

اجتاحها إحساس غريب، انزعاج خفي أرجعته إلى الأحداث الأخيرة التي عاشتها مع كريم. لقد رفضت ذلك بابتسامة، وأرجعت الأمر إلى تعقيد علاقتهما. عندما اقتربت من الباب، أصبح الطرق أكثر إلحاحًا، وهو تذكير إيقاعي للأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها والتي لا تزال عالقة في ذهنها.

ترددت يد ليلى على مقبض الباب، توقف مؤقت أعاد صدى عدم اليقين بداخلها. استمر الشعور الغريب في قلبها، وهمسة غير ملموسة من عدم الارتياح رقصت على حواف وعيها. نحتها جانبًا، وفتحت الباب لمواجهة أمير، غير مدركة للمواجهة المضطربة التي تنتظرها وخيوط القدر المعقدة التي تنسج روايتهم غير المتوقعة.

وبينما فتحت ليلى الباب، متوقعة أن تجد كريم، خفق قلبها في صدرها. ولدهشتها، وقف أمير أمامها وعيناه مشتعلتان بلون أحمر مقلق. كان تنفسه ثقيلاً، وكل شهيق وزفير كان يتردد بقوة عنيفة أرسلت قشعريرة إلى عمود ليلى الفقري.

لقد ظهر أمير الذي كان متماسكًا ذات يوم على حافة الغضب. كانت أسنانه تصر، وصوته، كهدير رعد منخفض، يقطع الهواء. “يجب أن يكون نوعك من الرجال رقيقًا وصبيًا لأمه منذ أنك فتحت الباب عندما طرقت الباب بهدوء، دون الاهتمام بمن قد يكون. حسنًا، هذا سيئ جدًا بالنسبة لك. أنا بلا أم، وأعتقد أن الفضل في ذلك يعود إليك.”

كانت الكلمات تتوالى ببطء، محملة بثقل يعكس التوترات التي لم يتم حلها بينهما. ليلى، التي تفاجأت بالتغير المفاجئ في سلوك كريم، كافحت للعثور على صوتها في مواجهة غضبه المتصاعد. تغير الجو في الغرفة، وأضواء المدينة في الخارج تلقي بظلالها المتطاولة التي رقصت مع تعقيدات مصائرهم المتشابكة.

اندلع الذعر داخل ليلى وهي تحاول التراجع من شدة غضب أمير. وفي محاولة يائسة للهروب من المواجهة، تحركت لإغلاق الباب، لكن قوة أمير كانت طاغية. قاوم الباب جهودها عندما أمسك به بقوة جعلت ليلى تشعر بالضعف والحصار.

بحركة سريعة حازمة، أمسك أمير معصميها، وكانت قبضته حازمة وغير مرنة. أحدث الاتصال المفاجئ صدمة في ليلى، وتسارع نبضها عندما اصطدم ظهرها بسطح الباب المعدني البارد والصلب. بدت أضواء المدينة في الخارج خافتة، وكانت الظلال شاهدة على تبادل متوتر اندلع داخل المكان الضيق.

تقطعت أنفاس ليلى في حلقها عندما ضربها أمير بالباب بعينيه الحمراوين الممتلئتين بقوة تقترب من الشراسة. ضغط المعدن البارد على ظهرها، وشعرت بموجة من الضعف في مواجهة حضوره الطاغي. أصبحت المساحة التي كانت مألوفة في شقتها الآن وكأنها ساحة مغلقة حيث تصاعدت التوترات التي لم يتم حلها بينهما إلى مواجهة مروعة.

تم خنق محاولة ليلى للصراخ فجأة عندما ضغط أمير بصدره بقوة على شفتيها الناعمتين. لقد تركها التأثير لاهثًا للحظات، وقوة وجوده جعلت من الصعب عليها سحب الهواء. أضاف الباب المعدني البارد الموجود خلفها طبقة إضافية من الانزعاج إلى الإحساس الساحق بالتغلب على القوة.

خرج من ليلى صوت مكتوم، مزيج من المفاجأة والألم، وهي تشعر بقوة صدر أمير ضدها. ترددت أصداء تأوهه في الفضاء الضيق وهو يقول: “لم أنتهي من كلامي بعد. هل فهمت؟” صوته، المنخفض والآمر، أرسل قشعريرة إلى عمود ليلى الفقري. بالكاد استطاعت أن تومئ برأسها رداً على ذلك، وكانت هذه الإيماءة بمثابة اعتراف بالخضوع أكثر من كونها موافقة طوعية.

وجدت ليلى نفسها محاصرة بين حاجز الباب البارد والحرارة المتفجرة المنبعثة من صدر أمير وجسده، في مزيج مضطرب من الأحاسيس. بدا القرب خانقًا، والحدود بينهما غير واضحة بسبب شدة اللقاء.

وبعد لحظة بدت وكأنها تمتد إلى الأبد، منحها أمير مهلة بسيطة، وأعطاها مساحة كافية لالتقاط أنفاسها. شعرت ليلى، وهي لا تزال مضغوطة على الباب، بالهواء يعود إلى رئتيها، على الرغم من أن التوتر في الغرفة بقي مثل سحابة ثقيلة. تراقصت الظلال عبر المكان الضيق، لتشهد على مواجهة تجاوزت الكلمات، تاركة ليلى عالقة في شبكة من المشاعر التي لم تحل والتعقيدات المتصاعدة.

أمير وهو مثبت نظره على الباب المعدني البارد، يتحدث بسخرية مريرة في نبرته: ـ هل هذه الزاوية وهذه القطعة المعدنية هي التي تجعل قلبك ينبض؟ علقت الكلمات في الهواء، تذكيرًا ساخرًا بالمساحة الضيقة التي غطت عالم ليلى.

ورداً على كلماته الساخرة، تحدثت ليلى بصوت خافت بالكاد مسموع: «ماذا تريد يا أمير؟» ظل الهواء في الغرفة مشحونًا بالتوتر بينما كانت أعينهم مغلقة في تبادل صامت.

اشتدت نظرة أمير وهو يجيب: “أريد كل ما لديك منذ أن أخذت كل ما عندي. أليس هذا عادلا؟” كان لكلماته صدى مع استياء شديد يعكس عمق خسارته المتصورة.

ردت ليلى بتحدٍ: – لن أعطيك شيئًا، لذا واصل الحلم! حمل الإعلان ملاحظة المرونة ورفض التلاعب بالمشاعر المضطربة التي جلبها أمير إلى حياتها.

رد أمير بثبات: “ليس لديك رأي في هذا، ويبدو أنك مرتاحة جدًا ويتم الاهتمام بك بشكل جيد بالنسبة لكونك مجرمة. انتظري، ما هذه الرائحة؟” أضاف التحول المفاجئ في تركيزه جواً من الشك إلى الأجواء المشحونة، كما لو أن أمير عثر على معلومة تزيد من مخاطر المواجهة بينهما.

بإصرار قوي، أمسك كريم بيد ليلى، وسحبها عبر الغرفة حتى وصلا إلى مصدر الرائحة المثيرة: الطعام الجاهز. لقد توقف فجأة، وكانت قبضته ثابتة، وهو يعلن: “بما أنك تريدين أن تأكلي، فلنأكل على طريقتي.”

دون أن يمنح ليلى فرصة للرد، دفعها نحو الأريكة، فتسببت الارتطام في تعثرها قبل أن تجد نفسها جالسة و تبتعد للخلف.